حوار : صلاح صابر
كانت المرة الاولى فى حياتها التى تخطو فيها بملابسها الصحراوية التقليدية فى شوارع القاهرة ؛ لكنها أيضا لم تكن المرة الاولى التى تعرف فيها القاهرة أو تتعرف فيها على تفاصيل ومساحات الحياة المصرية .. عرفها المصريون من خلال قصائدها التى نشرتها مجلات وصحف قاهرية ؛ وعرفت القاهرة قبل ان تراها بعينيها من خلال اشعار صلاح عبد الصبور وأمل دنقل وأحمد عبد المعطى حجازى وعفيفى مطر ومن خلال روايات نجيب محفوظ ويوسف أدريس وموسيقى عبد الوهاب وأغانى كوكب الشرق ؛ مثلها مثل كل العرب من المحيط إلى الخليج .. جاءت النانا رشيد إلى القاهرة لا لتتعرف عليها عن قرب فحسب ولكن أيضا لتعرف هى القاهرة باهلها فى مخيمات العيون وبجدور والسمارة والداخلة وقرابة المليون صحراوى الذين يعيشيون ما بين المخيمات الواقعة فى مثلث الحدود الجزائرى الموريتانى المغربى أو الداخل حيث الارض التى أسماها أجدادهم بالساقية الحمراء ووادى الذهب .. وفى مقهى قاهرى إلتقيت الشاعرة الصحراوية التى أبهرها ما أسمته بالتشابه بين القاهريين وأهلها فى المخيمات ..فالجميع هنا وهناك ينظرون إليها بنفس النظرة الطيبة الحانية كما ينظر كل أخ لاخته وكل اب لطفلته حين تعبر بين السيارات المسرعة أو تسير فى زحام البشر اليومى.
إلتقطت الخيط وبادرتها بالسؤال عن العادات والتقاليد الصحراوية وعن سر هذا الزى الهادىء ألوانه والمميز الذى ترتديه ؟؟
قالت: إن الصحراويين يحتفظون بعاداتهم جيلا فجيل منذ هجرتهم عبر التاريخ من الجزيرة العربية إلى وطنهم الذى أسموه بالساقية الحمراء ووادى الذهب ؛ تماما كما يحتفظون بلغتهم العربية شبه خالية من تاثيرات اللهجات الاخرى عليها ذلك التأثير الذى لحق باللغة المستخدة فى مناطق عربية أخرى فى الشمال ؛ فهم كما تقول الاقرب نطقا للعربية من غيرهم .. أما عن اللباس التقليدى فهم يسمونه (الملحفة) ويتشابه بالزى التقليدى لنساء موريتانيا ؛ مضيفه إنه هو نفس ما تلبسه العروس فى ليلة زفافها وإن كان لونه بالنسبة للعروس (للمفارقة) هو اللون الاسود وبه صبغة النيلة التى تضفى زرقة لامعة على هذا الثوب ليشكل منظرا مبهرا للعروس التى عادة ما تجدل شعرها بالخرز وتضع فوق تلك الملحفة إزارا أبيضا لتتألق العروس فى منطقة تلاقى الابيض الناصع بالاسود اللامع .
وبطريقة لا تخلو من فخر أوضحت النانا أنه ليس من تقاليد الصحراويين ما نجده لدى مجتمعات شرقية أخرى من حوادث شرف أو اهتمام بقضية عذرية الفتاة عند الزواج رغم احتفاظ البنات عادة بالاخلاق العربية الاسلامية .
وأوضحت النانا أن العريس ينتقل لبيت أهل العروس عند الدخلة على عكس السائد ؛ ويهتم المجتمع الصحراوى باظهار حالات الفرح بالغناء والطرب مستخدما الالات الموسيقية التقليدية وعلى رأسها آلات الايقاع لسبعة أيام ؛ ولا يبخل الاهل فى الانفاق على ذلك حتى ولو ضاق بهم الحال.
سألتها عن الانشطة الاقتصادية لاهل المخيمات الصحراوية وأخوانهم فى الداخل الصحرواى؟
فقالت النانا : إن المخيمات لا يوجد بها الا الانشطة التقليدية لمجتمع تشرف على امداده باحتياجاته الاساسية مفوضية اللاجئين التابعة للامم المتحدة ؛ وبالتالى فالنشاط السائد هو ادارى أو تعليمى أو صحى وغرضه ادارة وخدمة هذا المجتمع الذى كان من المفترض به ان يكون مؤقتا رغم ان الاقامة فيه طالت كثيرا منذ منتصف السبعينات وحتى الان دون تغير ملموس . مضيفة أن الصحراويين بطبيعتهم منظمون جدا بحيث اشارت الامم المتحدة لهذا الجانب فى الصحراويين.. أما عن الوضع فى الداخل فالحال لا يختلف كثير رغم وجود الثروات والموارد حيث أن الانشطة الاقتصادية الاساسية يقوم بها المواطنون المغاربة فقط ؛ ولا يشارك الصحراويون فى انشطة صناعية أو تجارية ذات قيمة .
سألتها ..أليس غريبا أن يحيى مجتمع شاب دون حراك اقتصادى كبير وملموس فى ظل عدم المشاركة فى الانشطة الهامة فى تنمية مجتمعهم ؟؟ أجابت بسرعة: أن هناك محاولات لقتل أى تفكير فى علاج هذه الازمة المجتمعية عبر السماح بانتشار المخدرات بين الصحراويين فى محاكاة لتجربة الصين والانجليز التاريخية فى مناطق الصحراء الغربية .
سألتها عن أى المجتمعات أقرب إليهم فى عاداتها وتقاليها أو فى الروابط القبلية بيها بالنسبة للدول التى تحيط بهم؟
فقالت: انهم يعتبرون الموريتانيين أقرب إليهم عائليا وفى العادات والتقاليد واللهجة المحكية؛ وحدثتنى عن الصعوبة التى خلقها الصراع السياسى على الصحراء الغربية فى التواصل العائلى بين الاهل والاقارب بين الداخل والمخيمات وأشارت إلى وجود حقول ألغام بين المخيمات وبين مناطق الصحراء الغربية تقتل أى محاولة للانتقال كانوا قد تعودوا عليها عبر التاريخ باعتبارهم صحراويين يعرفون الصحراء ودروبها ونباتاتهم وحيوانتها التى يرعونها ..أوضحت ان الخطورة تزداد حين تقوم السيول بجرف الالغام من اماكنها لاماكن اخرى فلا تستثنى فى عصفها بالحياة الانسان او الحيوان .
قلت إذن فانت من أبناء المخيمات ولم ترى الداخل وتتعرفى عن قرب على أهلك هناك ؟
أجابت: نعم فأنا ولدت فى المخيم ولم أتمكن من الولوج لاهلى فى الداخل حتى الان وإن كان هناك محظوظون من اهل المخيمات غيرى ساعدتهم الامم المتحدة فى تنظيم زيارات لهم لكننى كنت اقل حظا منهم .
سألتها عما تقوم به من عمل إلى جانب كونها شاعرة عبرت عن حياة الصحراويين فى أشعارها المنشورة أو التى تلقيها فى المنتديات واللقاءات ؟؟
قالت: أنا أعمل فى مجال غير بعيد عن الشعر فأنا أعمل فى المجالين الثقافى والتعليمى فى المخيمات وأجتهد فى هذا الحقل لانى أدرك أن فيه صناعة حقيقية للاجيال الصاعدة .
سألتها عن القاهرة وعما أعجبها فى هذه المدينة الشاسعة المتنوعة ؟؟
فقالت: القاهرة كلها أعجبتنى وأشد ما أعجبنى هم الناس الذين أراهم من حولى حين أتنقل فى الشوارع فهم لا يختلفون عن أهلى فى الصحراء ولكنى أيضا إلتقيت باعلاميين كثر وأدباء وتحدثنا كثيرا عن الوضع فى مصر وفى العالم العربى من حولها فى ظل التغيرات التى نراها الان ؛ فنحن نعرف إنها ستؤثر علينا فى المخيمات حتى ولو لم يدرك البعض هذا الامر.. فمصر هى الشقيقة الكبرى التى قدمت كل جهدها إلى جانب الجزائر فى حربها للتحرر من الاستعمار الفرنسى وقدمت التضحيات من أجل القضية الفلسطينية وساعدت فى تحرر دول عربية عديدة من نير الاستعمار بل دول افريقية غير عربية ايضا وحتى لو كانت قد انشغلت لفترة فى قضايها الداخلية فانها حتما ستعود لتلعب دورها التاريخى من جديد ..وفى النهاية أشارت النانا إلى سرورها لرؤية أشياء سمعت عنها وكانت تتمنى رؤيتها مثل مكتبات القاهرة فهى ناشرة أيضا وتدرك أهمية دور النشر ؛ وعمارة يعقوبيان التى تناولها الروائى علاء الاسوانى فى إحدى روايته التى حملت نفس الاسم ومقهى ريش الذى جمعت جنباتها حوارات المثقفين المصريين منذ الستينات وحتى الان ؛ وغيرها من اماكن القاهرة الاخرى.