السؤال عن حكم تكرار العمرة أكثر من مرة للمتمتع بعد التحلل من عمرته الأولى التي نوى بها التمتع بالعمرة إلى الحج؟
الجــواب
يجوز تكرار العمرة أكثر من مرة مطلقا، بل الإكثار منها مستحب مطلقا، وهو مذهب السادة الحنفية والسادة الشافعية وجمهور العلماء من السلف والخلف وممن حكاه عن الجمهور الماوردي والسرخسي والعبدري والنووي، وحكاه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس وأنس وعائشة وعطاء وغيرهم رضي الله عنهم، ورواية عن أحمد وإسحاق بن راهويه، وهو قول مطرف وابن المواز من المالكية، ويدخل في ذلك المتمتع بعد التحلل من عمرته الأولى التي نوى بها التمتع بالعمرة إلى الحج وقبل إحرامه بالحج، ولا تمنع العمرة إلا في صور محددة يأتي بيانها تفصيلا، إلا أنه ليس منها الصورة محل السؤال، فتدخل في مطلق الاستحباب قطعا، ومن ثَّم فمن فعل ذلك فقد أتى بأمر مستحب يثاب عليه عند الحنفية والشافعية والجمهور سلفا وخلفا.
وجواز العمرة مطلقا فيما عدا أيام الحج الخمسة: يوم عرفة والنحر وأيام التشريق الثلاثة هو المروي عن السيدة عائشة وابن عباس رضي الله عنهم، ومقتضاه جواز تكرار اعتمار المتمتع وغيره فيما سوى هذه الأيام، ويجوز ذلك أيضا لكن مع الكراهة عند السادة المالكية الذين ذهبوا إلى كراهة تكرار العمرة في العام أكثر من مرة.
ومعنى التمتع عند الفقهاء أن يعتمر الرجل الذي ليس من أهل مكة، ويحل من عمرته في أشهر الحج ثُمّ يحج من عامه ولم يرجع إلى أُفقه، أو أُفق مثل أفقه بين الحج والعمرة، فمن حصل له ذلك فهو متمتع، وعليه شاة. وسمي تمتعا؛ لِأَنَّهُ يسْتَمْتع بالمحظورات إِذا تحلل عَن الْعمرَة إِلَى أَن يحرم بِالْحَجِّ.
وقد نص الحنفية على استحباب تكرار العمرة، وأنه لا يكره الإكثار منها، وأنها جائزة في جميع السنة إلا خمسة أيام هي: يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق، فيجوز عندهم تكرار العمرة للمتمتع وغيره فيما عدا هذه الأيام الخمسة، قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (2/ 585 ط. دار الفكر): "تكرار العمرة في سنة واحدة جائز بخلاف الحج، أفاده صاحب الهندية"، وقال أيضا (2/ 472): "لا يكره الإكثار منها خلافا لمالك، بل يستحب على ما عليه الجمهور".
وعند الشافعية يجوز الإحرام بها في كل وقت من السنة، ولا يكره في وقت من الأوقات، وسواء أشهر الحج وغيرها في جوازها فيها من غير كراهة، ولا يكره عمرتان وثلاث وأكثر في السنة الواحدة، ولا في اليوم الواحد بل يستحب الإكثار، ولا تمتنع العمرة عندهم إلا للمحرم بالحج حتى ولو تحلل من الحج التحللين وأقام بمنى للرمي والمبيت فلا ينعقد إحرامه بالعمرة؛ لأنه عاجز عن التشاغل بها لوجوب ملازمة إتمام الحج بالرمي والمبيت، وإذا نفر النفر الأول وهو بعد الرمي في اليوم الثاني من أيام التشريق فأحرم بعمرة فيما بقي من أيام التشريق ليلا أو نهارا فعمرته صحيحة عندهم. وبناء عليه فيجوز للمتمتع عند الشافعية تكرار العمرة فيما عدا وقت الإحرام بالحج وحتى النفر الأول بعد الرمي في ثاني أيام التشريق.
وجواز تكرار العمرة هو رواية عن الإمام أحمد وإسحاق ابن راهويه، ففي مسائل الإمام إسحاق بن منصور الكوسج لهما (5/ 2271 ط. الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة): "قلت: يعتمر الرجل في الشهر كما شاء؟ قال (يعني الإمام أحمد): ما أمكنه، ليس لها وقت كوقت الحج. قال إسحاق (يعني ابن راهويه): كما قال، إلا أنه يعتمر في كل شهر أفضل؛ لكي يجمع الاختلاف، ويكون أمكن للحلق"، فاتفق الإمامان أحمد وابن راهويه -في هذه الرواية– على جواز العمرة ما يشاء المعتمر، ولا مانع من تكرارها، ولا شك أنه مقيد بالوقت الذي يمتنع فيه الإحرام بها للانشغال بأعمال الحج.
وبناء عليه وفي واقعة السؤال: فإنه يجوز بل يستحب للمتمتع قبل الإحرام بالحج ولكل من فرغ من النفر الأول بعد الرمي في اليوم الثاني من أيام التشريق أن يعتمر ويكرر العمرة ويوالي بينها وذلك هو مذهب جماهير العلماء سلفا وخلفا.
والله سبحانه وتعالى أعلم
إعداد / داليـا ابراهيم الجمـل